قريبا: جمال الصمت

السبت, 24.02.18, 19:30

الأحد, 15.07.18

:

مُتاح

لمعلومات إضافية:

046030800

شارك

جمال الصمت

عمل ماكوتو فوجيمورا

ماكوتو فوجيمورا هو فنان معاصر موهوب. بسبب معارضه، كتاباته، محاضراته والندوات التي يقوم بها في جميع أنحاء العالم هو مُقدَّر كمصمم ثقافة ومصدر إلهام لفنانين ومحبي الفن معا. لدى فوجيمورا أربعة ألقاب دكتوراه فخرية من جامعات مختلفة في الولايات المتحدة. أعماله تعتبر مزيجا بين الثقافات والفن الياباني التقليدي وبين نهج فني مجرد - تعبري، معاصر
ونضر.

ولد ماكوتو فوجيمورا (Makoto Fujimura) في بوسطن عام 1960. والده، أوسامو فوجيمورا، الذي كان فيزيائيا وعالم صوتيات عمل في اليابان، السويد والولايات المتحدة. لذلك، في طفولته تعلم فوجيمورا في اليابان، لكنه درس الثانوية واللقب الأول في الولايات المتحدة. وبتشجيع من والده، درس فوجيمورا الفن وعلم الأحياء في الجامعة ومن ثم، بعد حصوله على منحة دراسية من الحكومة اليابانية، عاد إلى اليابان ودرس في جامعة طوكيو للفنون. تخرج فوجيمورا مع مرتبة الشرف وصار متدربا عند فنان الـنيهونغا (nihonga; فن ياباني تقليدي) كاياما ماتازو (;Kayama Matazo 1927-2004).

تغيرت حياة فوجيمورا كفنان عندما زار لأول مرة متجرا لبيع مواد للإبداع للفن الياباني التقليدي. في المتجر كانت مُرتبة قوارير فيها مساحيق ألوان تستخدم للرسم. يتم إنتاج مساحيق الألوان من المعادن، أجزاء تربة، شعاب مرجانية، أحجار شبه كريمة وأشياء أُخرى. سُحر فوجيمورا بهذه الصباغ وتخلي عن الأكريليك لصالح الملكيت (معدن أخضر موجود في النحاس)، الأزوريت (معدن أزرق يحتوي على النحاس، الكربونات والهيدروكسيل) والسنابار (معدن الزئبق الكبريتي ذو اللون الأحمر الفاتح) مخلوطة مع الجيلاتين المُنتج من جلود الحيوانات. علاوة على ذلك، بدأ يستخدم أوراق الذهب والفضة الخالصة كما فعل الفنانين من مدرسة كانو (Kanô)، في القرن الـ16 وفنانين من مدرسة رينبا (Rinpa)، في القرن الـ17.

تقنية الرسم اليابانية التقليدية تطورت أصلا لتزيين الشاشات القابلة للطي والأبواب المنزلقة واليوم تُستخدم في الأساس لحفظ وترميم هذه الأعمال. تؤخذ الموضوعات للأعمال التقليدية من الطبيعة - الطيور، النباتات والزهور على خلفية من أوراق الذهب أو الفضة. في المقابل، أعمال فوجيمورا تجريدية، مبتكرة ومختلفة. هو يضيف الصباغ بفرشاة عريضة أو يرشقها على مُسطح الرسم الموضوع أفقيا على الأرض. مع تركيزه على أحاسيسه ومشاعره، يحاول التعبير عن الجوانب البصرية بشكل مباشر. فوجيمورا يبني، على مُسطح من الورق أو القماش، مساحة تأملية فيها إشارات بصرية التي تميز الحداثة الغربية والرسم الياباني التقليدي سويا. الصور الناتجة هي حيوية وشاعرية، لكن مُسيطَر عليها بشكل جيد، مجردة وتحتوي على رموز أدبية، معضلات داخلية وأسئلة فينومينولوجية. يضيف فوجيمورا أحيانا كتابات ذهبية في أعلى لوحاته. هذه الكتابات مأخوذة عادة من التوراة وتعكس صراعاته الداخلية وإيمانه. فوجيمورا هو واحد من أبرز الفنانين المعاصرين الرياديين الذين يتناولون المُفترق بين الإيمان والفن.

          الأصباغ المُنتجة من المعادن الطبيعية لا يمكن خلطها بشكل عام، لكن عندما يتم ترتيبها بشكل متناغم على الورق الياباني تكون النتيجة مذهلة. اكتسب ماكوتو فوجيمورا الكثير من المعرفة حول المواد الإبداعية اليابانية التقليدية. مُسطح أعمال فوجيمورا هو قماش أو كوموهادا (kumohada). كوموهادا هو ورق ياباني قوي مصنوع من القنب، غانفي (ورق مصنوع من شجيرات يابانية) ولحاء شجرة التوت. وغالبا ما يستخدم كمُسطح داعم للرسمة اليابانية التقليدية. فوجيمورا يضع الألوان على المُسطح بطبقات، وذلك باستخدام تقنية خاصة ابتكرها التي تُمكن الأصباغ بأن تُكمل بعضها البعض. الأصباغ الطبيعية في أعماله لا تصف الواقع، بل الجمال في فطرتها. أوراق الذهب والفضة لامعة، في حين أن الألوان الموضوعة على المُسطح بسماكة متفاوتة، تخلق فضاءات خفية وباطنية. شدة الضوء في اللوحة مشتقة من عدد طبقات اللون.

          يعرض المعرض أعمالا مختلفة لفوجيمورا من السنوات الأخيرة، منها "جمال الصمت"، "المشي على الماء"، "نار ذهبية" و"أصداء التكوين". العمل "صمت-رماد" يتكون من رذاذ وبقع الحبر، الذين يخلقون "مناظر طبيعية" ضبابية وساحرة. صب الحبر على مُسطح الرسمة هو فعل لمرة واحدة لا يمكن تكراره. لذلك، هناك شعور في اللوحة أن عظمتها كانت لحظة إنشائها. لهذا، اللوحة ليست تقليد الطبيعة، إنما عملية طبيعية أساسها بحدوثها. التجريد والأسطح الغامضة تعبر عن طريقة إبداع عفوية ظاهريا، لكن البساطة وتقليص الوسائل في عملية الإبداع هم تحدٍ لا يقاوم. على الرغم من أن اللوحة تعبر عن عدم الحذر المتعمد، في الواقع هو نتيجة التدريب الطويل والتعمق المتواصل. عناصر العمل، بقع الحبر، حركة صبهم على السطح والفضاء، هي كأنغام تخلق سوية انسجام غير مسموع - جمال الصمت.

العمل الرائع "نار ذهبية" مصنوع من أوراق الذهب، تنبثق من بينها بارزة رقائق صباغ أزرق. مطلوب عدة طبقات من أوراق ذهب رقيقة لتغطية المُسطح. الأوراق الذهبية، المُرتبة بخطوط وصفوف منتظمة، تشكل شبكة رقيقة التي تخفي وتكشف بالتناوب الصباغ التي تحتها. بقع اللون تكوِّن نقاطا معدودة الضرورية في "المشهد" (keshiki) الذي يخلقه فوجيمورا في الفضاء كي نتمكن من احتوائه، تماما كما نحتاج لبقع لون ليست بيضاء في منظر لطبيعية ثلجية لإدراك جمال الغطاء الأبيض.

الأصباغ القليلة والفضاء معا في أعمال فوجيمورا يخلقون الكمال والوحدة المعروفة في الفن الياباني كالغياب المشحون (ما)، فيه تلميح خفيف يكفي ليشمل العالم بأكمله. هذا الشيء موضح في البوذية في "سوترا القلب" ((Hannya shingyô، في الجملة "اللون [الواقع] هو فراغ، الفراغ هو لون" shiki soku ze kû, kû soku ze shiki)). التنوير البوذي فارغ من التكهنات الميتافيزيقية حول الواقع، ولكن ليس من الواقع نفسه. قد تحوي مساحة "الفراغ" في العمل "نار ذهبية" على أكثر من مُشخصات مرئية واضحة. مع ذلك، من دون عدد من "المُشخصات" (مثالا، بقع ألوان) لكان المُسطح الذهبي لا معنى له. التشبث بالمبالغة في "الفراغ"، أي عدم استخدام الألوان على الإطلاق، يشكل موقفا ميتافيزيقيا (العدمية)، لكن أعمال فوجيمورا ليست عدمية على الإطلاق.

الأصباغ المعدودة في اللوحة تُشدد الفضاء الذهبي والمُسطح الذهبي يشدد بقع اللون. فوجيمورا يعرف كيفية استخدام كليهما بالكمية الصحيحة ليثير اهتمام المُشاهد وجعله يفكر في عمله. تهدف الفضاءات "الفارغة" في الأعمال إلى جعل المشاهد فاعلا. عين المشاهد مُحفَّزة لإكمال الناقص في العمل في خلال لعبة الموجود والناقص. موتوكيو زامي1444-1363 ;Motokiyo Zeami)), مؤسس مسرح الـ نو (Nô) الياباني التقليدي، دعا هذه المثالية الجمالية يوجن (Yûgen، مخفي، تلميحي) بها المُشاهد يُحَث على تجربة فاعلة كي يحس الجمال الخفي بجزء منه أو معروض له بتلميح فقط عند استخدام اليوجن. لا يكفي بأن فضاء "الفراغ" يسلط الضوء على "المُشخَّص" الواضح والمرئي في اللوحة، إنما بقع الصباغ تأتي للتأكيد على 'العدم'. هكذا المُشاهد "يرى" ما لا يظهر في عمل فوجيمورا. حد أدنى ضروري من الخطوط وبقع الألوان في أعمال فوجيمورا توفر أقصى قدر من التعبير ينسجه المُشاهد في خياله خلال "نسجه" للب العمل في الفضاء الذي بينه وبين اللوحة (أو الفنان).

الميل الجمالي المُعبَّر عنه في عمل فوجيمورا هو الذي ينتصب في لب الإبداع الياباني على مر العصور. على سبيل المثال، في فن الخط بالأسلوب "معشوشب" (sôsho)، حيث شكل علامة الكتابة ليس مفصلا، وفي شعر الهايكو (Haiku) التقليلي. هذه الجماليات تترك فراغا كبيرا غايته استحضار خيال المُشاهد كي ينجذب إلى داخل ما هو غير مرئي. مع ذلك، يبدو أن هدف الفنان ليس بالضرورة جعل المُشاهد فهم رمزية خاصة، إنما تزويده بتجربة حسية فورية أو شعور معين يُمرره من خلال عمله.

أعمال فوجيمورا ديناميكية. يتم تحقيق الشعور بالديناميكية في أعماله من خلال عدم التماثل. الفضاء هو عامل حاسم في تحقيق التوازن في اللوحة. لهذا بقع الألوان لا تتركز في مركز العمل أبدا لأنه إذا كانت هناك لكان الاهتمام موجها إليها فقط. بدلا من ذلك، عندما يتم إزاحتها جانبا قليلا، يتحول الانتباه إلى الفضاء بأكمله. في هذا المعنى، فوجيمورا يعطي أهمية كبيرة لكمية الأصباغ مقارنة بحجم الفضاء ومكانها فيه.

الديناميكية تتجسد أيضا من خلال استخدام فوجيمورا لأوراق الفضة في العمل "كي-سكي" (معجزة). قد تصبح أوراق الفضة سوداء مع مرور الوقت نتيجة الأكسدة. استخدام أسطح من أوراق الذهب والفضة دون وقاية شائع في الفن الياباني التقليدي، والفنانين كانوا على دراية بالتغيير المتوقع في أعمالهم نتيجة لذلك. تغيير اللون هو تعبير عن عالم سريع الزوال.

الشجرة في لوحة فوجيمورا تنمو في مكان مجهول، لأن الخلفية الفضية والموحدة لا تشير إلى مكان محدد. تماما كما فوجيمورا وعائلته تنقلوا من مكان إلى آخر بسبب عمل والده، العمل أيضا يتنقل بين الخلفية المجردة والشجرة الواقعية إلى حد ما. هل فوجيمورا يحاول جَسْر الانقسام بين الجسم والنَّفْس من خلال توليف التقنية اليابانية بأسلوب تجريدي غربي، الغموض البوذي بوضوح الإيمان اليهودي-المسيحي والوصول إلى "الملاذ" الياباني-الأمريكي؟ في هذا المفهوم، أعماله تعبر بلا شك عن جماليات إيدا (بين). يتم عرض عناصر مجردة وعناصر واقعية لنا بطريقة موجزة وشاملة. بكلمات فوجيمورا: "على الرغم من أنني أُبدع بتقنية [يابانية] تقليدية، أعمالي غير متوافقة تماما مع أي فئة. هي ليست نيهونغا أو معاصرة، ليست تمثيلية أو مجردة، علمانية أو دينية، يابانية أو أمريكية: ليس واحدا من هذه المصطلحات يوفي بالغرض.  بشكل واعي أحاول سد الفجوة التي أشعر بها في كينونتي."

لشراء التذاكر ومزيد من المعلومات يرجى ترك التفاصيل الخاصة بك